قصة حقيقية "اردت افسادها فانقذتني"
قصة واقعية "اردت افسادها فانقذتني"
داعية ولكن من نوع وتوجه آخر …وضع لنفسه طريق وهدف ولكن كان يؤدي إلى
الهلاك والفساد . فمضى في تنفيذ مخططه حتى سقط ضحية فتاة عرفت كيف تتعامل
مع أمثاله
ماأجمل الماضي وماأقساه ، صفتان أجتمعت في ذكرى رجل واحد ، صفتان
متضادتان … أحاول أن أتذكر الماضي من أجل أن أرى طفولتي البريئة فيها …
وأحاول أن أهرب من تذكره كي لاأرى الشقاء الذي عشته فيه عفوان شبابي
…فحينما وصلت سن الخامسة عشرة كنت في أشد الصراع مع طريقين هما طريق الخير
وطريق الشر … لكن من سوء حظي أنني أخترت طريق الشر ، فاهدتني الشياطين أغلى
وسام لديها، وصرت تبعاً لها …بل لم تمضي أيام حتى تمردت عليها فأصبحت هي
التابعة لي ، فأخذت مسلك الشر وأستسقيت من منهاله المرالذي أشد من مرارة
العلقم وأيم الله … فلم أتخلى يوماً عن المشاركة في تفتيت روابط القيم
والشيم الرفيعة ، حتى أصبح إسمي علماً من أعلام الغواية والضلال
وذات مرة أسترعى إنتباهي فتاة كانت في الحي الذي أسكن فيه ، وكانت كثيراً ماتنظر إلىّ نظرة لم أعي معناها … لكنها لم تكن نظرات عشق ، ولاغرام
، رغم أنني لاأعرف العشق ولا الغرام حيث لم يكن لي قلب وقتها … وتغلغلت في
أفكاري تلك النظرات التي أستوقفتني كثيراً ، حتى هممت أن أضع شراكي على
تلك الفتاة … وبعد فترة أخذت منظومة شعرية يقولون أنها منظومة عشق ،
فأرسلتها لها عبر باب منزلها ، ولكن لم أجد منها رد بذلك ولاتجاوب …
وأخذتني بعدها العزة بالأثم لأغوين تلك الفتاة شاءت أم أبت ،فكتبت فيها
قصيدةً شعرية من غير ذكر إسم لها … حتى وصلها الخبر بذلك ، لكنها لم تتصرف
ولم يأتي منها شئ ، وذات ليلة كنت عائداً إلى منزلي الساعة الرابعة فجراً ،
فأنا ممن هو مستخفي بالنهار وساربُ ُ بالليل … وإذا بي أجد عند الباب كتاب
عن الأذكار النبوية ، فأحمر وجهي لذلك وأستحضرت جميع إرادات الشر التي
بداخلي ، حيث عرفت أن التي أرسلته لي هي تلك الفتاة … وبهذا فهي قد أعلنت
حرباً معي ، ففكرت وقتها على أن أكتب قصيدة عن واقعة حب بيني وبينها
وأنشرها بالحي ، وبعدها أكون قد خدشت بشرفها … وجلست أستوحي ماتمليه
الشياطين على ّ من ذلك الوحي الشعري ، ففرغت من قصيدتي تلك وأرسلت بها إلى
دارها مهدداً إياها بأن ذلك سوف ينشر لدى كافة معارفك … وجاءني المرسول
الذي بعثت معه القصيدة بتمرات ، وقال لي إن الفتاة صائمة اليوم وهي على وشك
الإفطار وقد أرسلت معي هذه التمرات لك هديةً منها لك على قصيدتك بها ،
وتقول لك إنها ستدعو الله لك بالهداية ساعة الإفطار … فأخذت تلك التمرات
وألقيتها أرضاً ، وأحمرت عيناي بالشر ، وتوعدتها بالإنتقام عاجلاً أم آجل ،
ولن أدعها على طريق الخير أبداً ماحييت … وأخذت أتصيد فترات روحاتها
وجياتها للمسجد بألقاء عبارات السخرية والإستهزاء بها فكان من معها من
البنات يضحكن عليها أشد الضحك ، ومع ذلك لم تحرك تلك الإستهزاءات ساكناً
فيها … ومرة الأيام ورأيت أنني فشلت في محاولاتي تلك بأن أضل تلك الفتاة
وأستمرت هي بإرسال كتيبات دينية لي ، وكل يوم إثنين وخميس وهي الأيام التي
كانت تصوم فيهما كانت ترسل التمر لي ، وكأن لسان حالها يقول أنها قد أنتصرت
علىّ ، هذا ماكنت أظنه من تصرفاتها تلك …
وماهي إلا أِشهر إلا وسافرت خارج البلاد باحثاً عن السعادة واللذات
الدنيوية التي لم أرآها في بلدي ، ومكثت قرابة أربعة أشهر ، وكنت وأنا خارج
بلدي منشغل الفكر بتلك الفتاة ، وكيف نجت من جميع الخطط التي وضعتها لها …
وفكرت فور وصولي لبلدي أن أبدأ معها المشوار مرة أخرى بأسلوب أكثر خبثاً
ودهاءاً وقررت أنني سوف أردها عن تدينها وأجعلها تسير على درب الشر … وجاء
موعد الرحلة والرجوع لبلدي وكان يومها يوم خميس ، وهو من الأيام التي كانت
تصومه تلك الفتاة ، وحينما قدم لنا القهوة والتمر بالطائرة أخذت بشرب
القهوة أم التمر فألقيت به [ حيث كان رمزاً للصائمين ويذكرني بها ] … وهبطت
الطائرة بمطار المدينة التي أسكن بها وكان الوقت الواحدة ظهراً ، وركبت
سيارة الأجرة متوجهاً لمنزلي ، وهناك زارني أصدقائي فور وصولي ، وكلاً منهم
قد حصل على هديته مني وكانت تلك الهداية كلها خبيثة ، وكانت أكبرها قيمة
وأعظمها شراً هدية خصصتها لتلك الفتاة ، كي أرسلها لها ، ولأرى ماتفعله بعد
ذلك … وخرجت ذاهباً لأتصيد الفتاة عند مقربةً من المسجد قبل صلاة المغرب ،
حيث كانت حريصةً على أداء الصلاة في المسجد لأن بالمسجد كان جمعية نسائية
لتحفيظ القرآن … وماأن أذن المغرب وفرغ من الأذان وجاء وقت الإقامة ، ولم
أرى الفتاة ، أستغربت ، وقلت في نفسي قد تكون الفتاة تغيرت أثناء سفري
وهجرت المسجد وتخلت عن تدينها ذلك … فعدت لمنزلي ، وأنا كلي أمل بأن تكون
توقعاتي تلك محلها، وأثناء ماكنت أقلب في كتبي وجدت مصحفاً مكتوب عليه
إهداء إليك لعل الله أن يهديك إلى صراطه المستقيم ، التوقيع / اسم الفتاة …
فأبعدته عني وسألت الخادمة من أحضر هذا المصحف إلى هنا فلم تجبني ، وخرجت
في يومي الثاني منتظراً الفتاة عند باب المسجد ومعي المصحف كي أسلمها إياه
وأقول لها أنا لست بحاجةٍ إليه ، كماأنني سوف أبعدك عنه قريباً ، وأنتظرت
الفتاة عند المسجد ولكن لم تأتي . وكررت ذلك عدة أيام لكن دون فائدة فلم
اراها ، فذهبت إلى مقربة من منزلها وسألت أحد الصبيان الصغار الذين كانوا
يلعبون مع أخوة لتلك الفتاة ، فسألتهم: هل فلانة موجودة ؟ فقالوا لي :
ولماذا هذا السؤال ! ربما أنت لست من هذا الحي . قلت بلى ولكن لدي رسالة من
صديقة لها كنت أود أن تذهبوا بها لها ، فقالوا لي إن من تسأل عنها قد
توفاها الله وهي ساجدة تصلي بالمسجد قبل أكثر من شهرين …
عندها ما أدري ما الذي أصابني فقد أخذت الدنيا تدور بي وأوشكت أن أقع من
طولي ، ورق قلبي وأخذ الدمع من عيني يسيل ، فعيناي التي لم تعرف الدمع
دهراً سالت منها تلك الدموع بغزارة ، ولكن لماذا كل هذا الحزن ؟ أهو من أجل
موتها وحسن خاتمتها أم من أجل شئ آخر ؟ لم أقدر أن أركز وأعلم سبباً
وتفسيراً لذلك الحزن الشديد ، أخذت بالعودة لمنزلي سيراً على الأقدام وأنا
هائم لاأدري أين هي وجهتي وإلى أين أنا ذاهب … وجلست أطرق باب منزلي بينما
مفتاح الباب بداخل جيبي ، لقد نسيت كل شئ نسيت من أنا أصبحت أنظر وأتذكر
نظرات تلك الفتاة في كل مكان تلاحقني … وأيقنت بعدها أنها لم تكن نظرات خبث
ولاشئ آخر بل نظرات شفقة ورحمة علىّ ، فقد كانت تتمنى أن تبعدني هي عن
طريق الشر … فقررت بعد وفاتها أن أعتزل أهلي ، وفعلاً أعتزلت أهلي والناس
جميعاً أكثر من سنة وسكنت بعيداً عن ذلك الحي وتغيرت حالتي ، وصار خيالها
دوماً أراه لم يتركني حتى في وحدتي ، أصبحت أراها وهي ذاهبة للمسجد وحينما
تعود ، وحاول الكثير من أصدقائي أن يعرفوا سبب بعدي عن المجتمع وعن رغبتي
وأختياري للعيش وحيداً لكنني لم أخبرهم بالسبب … وكان المصحف الذي أهدتني
إياها لايزال معي ، فصرت أقبله وأبكي وقمت فوراً بالوضوء والصلاة لكنني
سقطت من طولي فكلما حاولت أن أقوم أسقط ، لأني لم أكن أصلي طوال عمري ،
فحاولت جاهداً فأعانني الله ونطقت بإسمه ، ودعيت وبكيت لله بأن يسامحني
وبأن يرحم تلك الفتاة رحمةً واسعة من عنده ، تلك الفتاة التي كانت دائماً
ماتسعى لإصلاحي … وكنت أنا أسعى لإفسادها ، لكن تمنيت لو انها لم تمت لأجل
تراني على الإستقامة ، لكن لا راد لقضاء الله ، وصرت دوماً أدعو لها وأسأل
الله لها الرحمة وأن يجمعني بها في مستقر رحمته وأن يحشرني معها ومع عباده